فصل: فَصْلٌ الوصايا الكلية لحفظ الصحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.حَرْفُ الْيَاءِ:

.يَقْطِينٌ:

وَهُوَ الدّبّاءُ وَالْقَرْعُ وَإِنْ كَانَ الْيَقْطِينُ أَعَمّ فَإِنّهُ فِي اللّغَةِ كُلّ شَجَرٍ لَا تَقُومُ عَلَى سَاقُ كَالْبِطّيخِ وَالْقِثّاءِ وَالْخِيَارِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصّافّاتُ 146].

.السّبَبُ فِي إطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى الْيَقْطِينِ اسْمَ الشّجَرِ:

فَإِنْ قِيلَ مَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ يُسَمّى نَجْمًا لَا شَجَرًا وَالشّجَرُ مَا لَهُ سَاقٌ قَالَهُ أَهْلُ اللّغَةِ فَكَيْفَ قَالَ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ؟. أُطْلِقَ كَانَ مَا لَهُ سَاقٌ يَقُومُ عَلَيْهِ وَإِذَا قُيّدَ بِشَيْءٍ تَقَيّدَ بِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيّدِ فِي الْأَسْمَاءِ بَابٌ مُهِمّ عَظِيمُ النّفْعِ فِي الْفَهْمِ وَمَرَاتِبِ اللّغَةِ. وَالْيَقْطِينُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ نَبَاتُ الدّبّاءِ وَثَمَرُهُ يُسَمّى الدّبّاءَ وَالْقَرْعَ وَشَجَرَةَ الْيَقْطِينِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ خَيّاطًا دَعَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَرّبَ إلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبّاءٌ وَقَدِيدٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَتَبّعُ الدّبّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الصّحْفَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبّ الدّبّاءَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ أَبُو طَالُوتَ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَأْكُلُ الْقَرْعَ وَيَقُولُ يَا لَك مِنْ شَجَرَةٍ مَا أَحَبّكِ إلَيّ لِحُبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاكَ. وَفِي الْغَيْلَانِيّاتِ: مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَائِشَةُ إذَا طَبَخْتُمْ قِدْرًا فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنْ الدّبّاءِ فَإِنّهَا تَشُدّ قَلْبَ الْحَزِينِ. الْيَقْطِينُ بَارِدٌ رَطْبٌ يَغْذُو غِذَاءً يَسِيرًا وَهُوَ سَرِيعُ الِانْحِدَارِ وَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ قَبْلَ الْهَضْمِ تَوَلّدَ مِنْهُ خَلْطٌ مَحْمُودٌ وَمِنْ خَاصّيّتِهِ أَنّهُ يَتَوَلّدُ مِنْهُ خَلْطٌ مَحْمُودٌ مُجَانِسٌ لِمَا يَصْحَبُهُ فَإِنْ أُكِلَ بِالْخَرْدَلِ تَوَلّدَ مِنْهُ خَلْطٌ حِرّيفٌ وَبِالْمَلْحِ خَلْطٌ مَالِحٌ وَمَعَ الْقَابِضِ قَابِضٌ وَإِنْ طُبِخَ بِالسّفَرْجَلِ غَذَا الْبَدَنَ غِذَاءً جَيّدًا. وَهُوَ لَطِيفٌ مَائِيّ يَغْذُو غِذَاءً رَطْبًا بَلْغَمِيّا وَيَنْفَعُ الْمَحْرُورِينَ وَلَا يُلَائِمُ الْمَبْرُودِينَ وَمَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْبَلْغَمُ وَمَاؤُهُ يَقْطَعُ الْعَطَشَ وَيُذْهِبُ الصّدَاعَ كَيْفَ اُسْتُعْمِلَ وَلَا يَتَدَاوَى الْمَحْرُورُونَ بِمِثْلِهِ وَلَا أَعْجَلَ مِنْهُ نَفْعًا. وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنّهُ إذَا لُطّخَ بِعَجِينٍ وَشُوِيَ فِي الْفُرْنِ أَوْ التّنّورِ وَاسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ وَشُرِبَ بِبَعْضِ الْأَشْرِبَةِ اللّطِيفَةِ سَكّنَ حَرَارَةَ الْحُمّى الْمُلْتَهِبَةَ وَقَطَعَ الْعَطَشَ وَغَذّى غِذَاءً حَسَنًا وَإِذَا شُرِبَ بترنجبين وَسَفَرْجَلٍ مُرَبّى أَسْهَلَ صَفْرَاءَ مَحْضَةً. وَإِذَا طُبِخَ الْقَرْعُ وَشُرِبَ مَاؤُهُ بِشَيْءٍ مِنْ عَسَلٍ وَشَيْءٍ مِنْ نَطْرُونٍ أَحْدَرَ بَلْغَمًا وَمِرّةً مَعًا وَإِذَا دُقّ وَعُمِلَ مِنْهُ ضِمَادٌ عَلَى الْيَافُوخِ نَفَعَ مِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ فِي الدّمَاغِ. وَإِذَا عُصِرَتْ جُرَادَتُهُ وَخُلِطَ مَاؤُهَا بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَقُطِرَ مِنْهَا فِي الْأُذُنِ نَفَعَتْ مِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَجُرَادَتُهُ نَافِعَةٌ مِنْ أَوْرَامِ الْعَيْنِ الْحَارّةِ وَمِنْ النّقْرِسِ الْحَارّ وَهُوَ شَدِيدُ النّفْعِ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ وَالْمَحْمُومِينَ وَمَتَى صَادَفَ فِي الْمَعِدَةِ خَلْطًا رَدِيئًا اسْتَحَالَ إلَى طَبِيعَتِهِ وَفَسَدَ وَوَلّدَ فِي الْبَدَنِ خَلْطًا رَدِيئًا وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالْخَلّ وَالْمُرّيّ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنْ أَلْطَفِ الْأَغْذِيَةِ وَأَسْرَعِهَا انْفِعَالًا وَيُذْكَرُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُكْثِرُ مِنْ أَكْلِهِ.

.فَصْلٌ الوصايا الكلية لحفظ الصحة:

.مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ مَاسَوَيْهِ:

وَقَدْ رَأَيْتُ أَنّ أَخْتِمَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ بِفَصْلٍ مُخْتَصَرٍ عَظِيمِ النّفْعِ فِي الْمَحَاذِرِ وَالْوَصَايَا الْكُلّيّةِ النّافِعَةِ لِتَتِمّ مَنْفَعَةُ الْكِتَابِ وَرَأَيْتُ لِابْنِ مَاسُوَيْهِ فَصْلًا فِي كِتَابِ الْمَحَاذِيرِ نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ قَالَ أَكَلَ الْبَصَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَلِفَ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ افْتَصَدَ فَأَكَلَ مَالِحًا فَأَصَابَهُ بَهَقٌ أَوْ جَرَبٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ فَأَصَابَهُ فَالِجٌ أَوْ لَقْوَةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ دَخَلَ الْحَمّامَ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ فَأَصَابَهُ فَالِجٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالسّمَكَ فَأَصَابَهُ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالنّبِيذَ فَأَصَابَهُ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتّى وَطِئَ أَهْلَهُ فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْبَلًا فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ أَكَلَ بَيْضًا مَسْلُوقًا بَارِدًا وَامْتَلَأَ مِنْهُ فَأَصَابَهُ رَبْوٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَصْبِرْ حَتّى يَفْرُغَ فَأَصَابَهُ حَصَاةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لَيْلًا فَأَصَابَهُ لَقْوَةٌ أَوْ أَصَابَهُ دَاءٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ.

.فصل مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ بَخْتَيْشُوعَ:

وَقَالَ ابْنُ بَخْتَيْشُوعَ احْذَرْ أَنْ تَجْمَعَ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ فَإِنّهُمَا يُورِثَانِ الْقُولَنْجَ وَالْبَوَاسِيرَ وَوَجَعَ الْأَضْرَاسِ. وَإِدَامَةُ أَكْلِ الْبَيْضِ يُوَلّدُ الْكَلَفَ فِي الْوَجْهِ وَأَكْلُ الْمُلُوحَةِ وَالسّمَكِ الْمَالِحِ وَالِافْتِصَادُ بَعْدَ الْحَمّامِ يُوَلّدُ الْبَهَقَ وَالْجَرَبَ. أَكْلِ كُلَى الْغَنَمِ يَعْقِرُ الْمَثَانَةَ. الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ أَكْلِ السّمَكِ الطّرِيّ يُوَلّدُ الْفَالِجَ. وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ يُوَلّدُ الْجُذَامَ الْجِمَاعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهْرِيقَ الْمَاءَ عُقَيْبَهُ يُوَلّدُ الْحَصَاةَ طُولُ الْمُكْثِ فِي الْمَخْرَجِ يُوَلّدُ الدّاءَ الدّوِيّ.

.وَصَايَا أبقراط:

قَالَ أبقراط: الْإِقْلَالُ مِنْ الضّارّ خَيْرٌ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ النّافِعِ. وَقَالَ اسْتَدِيمُوا الصّحّةَ بِتَرْكِ التّكَاسُلِ عَنْ التّعَبِ وَبِتَرْكِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ.

.وَصَايَا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَغَيْرِه:

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ أَرَادَ الصّحّةَ فَلْيُجَوّدْ الْغِذَاءَ وَلْيَأْكُلْ عَلَى نَقَاءٍ وَلْيَشْرَبْ عَلَى ظَمَأٍ وَلْيُقْلِلْ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وَيَتَمَدّدْ بَعْدَ الْغَدَاءِ وَيَتَمَشّ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَلَا يَنَمْ حَتّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ وَلْيَحْذَرْ دُخُولَ الْحَمّامِ عُقَيْبَ الِامْتِلَاءِ وَمَرّةً فِي الصّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ فِي الشّتَاءِ وَأَكْلُ الْقَدِيدِ الْيَابِسِ بِاللّيْلِ مُعِينٌ عَلَى الْفِنَاءِ وَمُجَامَعَةُ الْعَجَائِزِ تُهْرِمُ أَعْمَارَ الْأَحْيَاءِ وَتُسْقِمُ أَبْدَانَ الْأَصِحّاءِ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِي رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَا يَصِحّ عَنْهُ وَإِنّمَا بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ طَبِيبِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْحَارِثُ: مَنْ سَرّهُ الْبَقَاءُ- وَلَا بَقَاءَ- فَلْيُبَاكِرْ الْغَدَاءَ وَلْيُعَجّلْ الْعِشَاءَ وَلْيُخَفّفْ الرّدَاءَ وَلْيُقْلِلْ غَشَيَانَ النّسَاءِ. وَقَالَ الْحَارِثُ: أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَهْدِمُ الْبَدَنَ الْجِمَاعُ عَلَى الْبِطْنَةِ وَدُخُولُ الْحَمّامِ عَلَى الِامْتِلَاءِ وَأَكْلُ الْقَدِيدِ وَجِمَاعُ الْعَجُوزِ. وَلَمّا احْتَضَرَ الْحَارِثُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ النّاسُ فَقَالُوا: مُرْنَا بِأَمْرٍ نَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ بَعْدِك فَقَالَ لَا تَتَزَوّجُوا مِنْ النّسَاءِ إلّا شَابّةً وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ الْفَاكِهَةِ إلّا فِي أَوَانِ نُضْجِهَا وَلَا يَتَعَالَجَنّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدّاءَ وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلّ شَهْرٍ فَإِنّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ مُهْلِكَةٌ لِلْمِرّةِ مُنْبِتَةٌ لِلّحْمِ وَإِذَا تَغَدّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنَمْ.

.وَصَايَا لِطَبِيبٍ:

وَقَالَ بَعْضُ الْمُلُوكِ لِطَبِيبِهِ لَعَلّك لَا تَبْقَى لِي فَصِفْ لِي صِفَةً آخُذُهَا عَنْكُ فَقَالَ لَا تَنْكِحْ إلّا شَابّةً وَلَا تَأْكُلْ مِنْ اللّحْمِ إلّا فَتِيّا وَلَا تَشْرَبْ الدّوَاءَ إلّا مِنْ عِلّةٍ وَلَا تَأْكُلْ الْفَاكِهَةَ إلّا فِي نُضْجِهَا وَأَجِدْ مَضْغَ الطّعَامِ. وَإِذَا أَكَلْت نَهَارًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَنَامَ وَإِذَا أَكَلْت لَيْلًا فَلَا تَنَمْ حَتّى تَمْشِيَ وَلَوْ خَمْسِينَ خُطْوَةً وَلَا تَأْكُلَنّ حَتّى تَجُوعَ وَلَا تَتَكَارَهَنّ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَا تَحْبِسْ الْبَوْلَ وَخُذْ مِنْ الْحَمّامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْك وَلَا تَأْكُلَنّ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا تَعْجِزُ أَسْنَانُك عَنْ مَضْغِهِ فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ وَعَلَيْك فِي كُلّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقّي جِسْمَك وَنِعْمَ الْكَنْزُ الدّمُ فِي جَسَدِك فَلَا تُخْرِجْهُ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَلَيْكَ بِدُخُولِ الْحَمّامِ فَإِنّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إلَى إخْرَاجِهِ.

.وَصَايَا لِلشّافِعِيّ:

وَقَالَ الشّافِعِيّ: أَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَدَنَ أَكْلُ اللّحْمِ وَشَمّ الطّيبِ وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَلُبْسُ الْكَتّانِ. وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَدَنَ كَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَكَثْرَةُ الْهَمّ وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرّيقِ وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ. وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَصَرَ الْجُلُوسُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ وَالْكُحْلُ عِنْدَ النّوْمِ وَالنّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَتَنْظِيفُ الْمَجْلِسِ. وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَصَرَ النّظَرُ إلَى الْقَذَرِ وَإِلَى الْمَصْلُوبِ وَإِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالْقُعُودُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْجِمَاعِ أَكْلُ الْعَصَافِيرِ والإطريفل وَالْفُسْتُقِ وَالْخَرّوبِ. تَرْكُ الْفُضُولِ مِنْ الْكَلَامِ وَالسّوَاكُ وَمُجَالَسَةُ الصّالِحِينَ وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ.

.مَحَاذِرُ أَفْلَاطُونَ:

وَقَالَ أَفْلَاطُونُ: خَمْسٌ يُذِبْنَ الْبَدَنَ وَرُبّمَا قَتَلْنَ قِصَرُ ذَاتِ الْيَدِ وَفِرَاقُ الْأَحِبّةِ وَتَجَرّعُ الْمَغَايِظِ وَرَدّ النّصْحِ وَضَحِكُ ذَوِي الْجَهْلِ بِالْعُقَلَاءِ.

.مَحَاذِرُ لِطَبِيبِ الْمَأْمُونِ:

وَقَالَ طَبِيبُ الْمَأْمُونِ: عَلَيْك بِخِصَالٍ مَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَعْتَلّ إلّا عِلّةَ الْمَوْتِ لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامًا يُتْعِبُ أَضْرَاسَك فِي مَضْغِهِ فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ وَإِيّاكَ وَكَثْرَةَ الْجِمَاعِ فَإِنّهُ يُطْفِئُ نُورَ الْحَيَاةِ وَإِيّاكَ وَمُجَامَعَةَ الْعَجُوزِ فَإِنّهُ يُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ وَإِيّاكَ وَالْفَصْدَ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَلَيْك بِالْقَيْءِ فِي الصّيْفِ.

.وَصِيّةٌ لأبقراط:

وَمِنْ جَوَامِعِ كَلِمَاتِ أبقراط قَوْلُهُ: كُلّ كَثِيرٍ فَهُوَ مُعَادٍ لِلطّبِيعَةِ.

.وَصِيّةٌ لِجَالِينُوسَ:

وَقِيلَ لِجَالِينُوسَ مَا لَك لَا تَمْرَضُ؟ فَقَالَ لِأَنّي لَمْ أَجْمَعْ بَيْنَ طَعَامَيْنِ رَدِيئَيْنِ وَلَمْ أُدْخِلْ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ وَلَمْ أَحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذّيْت بِهِ.

.فصل أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْبَدَنَ:

وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْجِسْمَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ.

.مَضَارّ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ:

فَالْكَلَامُ الْكَثِير: يُقَلّلُ مُخّ الدّمَاغِ وَيُضْعِفُهُ وَيُعَجّلُ الشّيْبَ.

.مَضَارّ النّوْمِ الْكَثِيرِ:

وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ يُصَفّرُ الْوَجْهَ وَيُعْمِي الْقَلْبَ وَيُهَيّجُ الْعَيْنَ وَيُكْسِلُ عَنْ الْعَمَلِ وَيُوَلّدُ الرّطُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ.

.مَضَارّ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ:

وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ يُفْسِدُ فَمَ الْمَعِدَةِ وَيُضْعِفُ الْجِسْمَ وَيُوَلّدُ الرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ وَالْأَدْوَاءَ الْعَسِرَةَ.

.مَضَارّ الْجِمَاعِ الْكَثِيرِ:

وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ يَهُدّ الْبُدْنَ وَيُضْعِفُ الْقُوَى وَيُجَفّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَيُرْخِي الْعَصَبَ وَيُورِثُ السّدَدَ وَيَعُمّ ضَرَرُهُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَيَخُصّ الدّمَاغَ لِكَثْرَةِ مَا يَتَحَلّلُ بِهِ مِنْ الرّوحِ النّفْسَانِيّ وَإِضْعَافِهِ أَكْثَرَ مِنْ إضْعَافِ جَمِيعِ الْمُسْتَفْرِغَاتِ وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ جَوْهَرِ الرّوحِ شَيْئًا كَثِيرًا.

.أَنْفَعُ الْجِمَاعِ:

وَأَنْفَعَ مَا يَكُونُ إذَا صَادَفَ شَهْوَةً صَادِقَةً مِنْ صُورَةٍ جَمِيلَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ حَلَالًا مَعَ سِنّ الشّبُوبِيّةِ وَحَرَارَةِ الْمِزَاجِ وَرُطُوبَتِهِ وَبُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ وَخَلَاءِ الْقَلْبِ مِنْ الشّوَاغِلِ النّفْسَانِيّةِ وَلَمْ يُفَرّطْ فِيهِ وَلَمْ يُقَارِنْهُ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مَعَهُ مِنْ امْتِلَاءٍ مُفْرِطٍ أَوْ خَوَاءٍ أَوْ اسْتِفْرَاغٍ أَوْ رِيَاضَةٍ تَامّةٍ أَوْ حَرّ مُفْرِطٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ فَإِذَا رَاعَى فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَشْرَةَ انْتَفَعَ بِهِ جِدّا وَأَيّهَا فَقَدَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الضّرَرِ بِحَسَبِهِ وَإِنْ فُقِدَتْ كُلّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا فَهُوَ الْهَلَاكُ الْمُعَجّلُ.

.فصل الْحِمْيَةُ:

.وَصَايَا جَالِينُوسَ:

وَالْحِمْيَةُ الْمُفْرِطَةُ فِي الصّحّةِ كَالتّخْلِيطِ فِي الْمَرَضِ وَالْحِمْيَةُ الْمُعْتَدِلَةُ نَافِعَةٌ وَقَالَ جَالِينُوسُ لِأَصْحَابِهِ اجْتَنِبُوا ثَلَاثًا وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى طَبِيبٍ اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ وَالدّخَانَ وَالنّتْنَ وَعَلَيْك بِالدّسَمِ وَالطّيبِ وَالْحَلْوَى وَالْحَمّامِ وَلَا تَأْكُلُوا فَوْقَ شِبَعِكُمْ وَلَا تَتَخَلّلُوا بالباذروج وَالرّيْحَانِ وَلَا تَأْكُلُوا الْجَوْزَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَلَا يَنَمْ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ وَلَا يَأْكُلْ مَنْ بِهِ غَمّ حَامِضًا وَلَا يُسْرِعْ الْمَشْيَ مَنْ افْتَصَدَ فَإِنّهُ مُخَاطَرَةُ الْمَوْتِ وَلَا يَتَقَيّأُ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ وَلَا تَأْكُلُوا فِي الصّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمّى الْبَارِدَةِ فِي الشّمْسِ وَلَا تَقْرُبُوا الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزّرَ وَمَنْ شَرِبَ كُلّ يَوْمٍ فِي الشّتَاءِ مَاءٍ حَارّ أَمِنَ مِنْ الْأَعْلَالِ وَمَنْ دَلّكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمّامِ بِقُشُورِ الرّمّانِ أَمِنَ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحَكّةِ وَمَنْ أَكَلَ خَمْسَ سَوْسَنَاتٍ مَعَ قَلِيلٍ مَصْطَكَا رُومِيّ وَعُودٍ خَامٍ وَمِسْكٍ بَقِيَ طُولَ عُمْرِهِ لَا تَضْعُفَ مَعِدَتُهُ وَلَا تَفْسُدُ وَمَنْ أَكَلَ بِزْرَ الْبِطّيخِ مَعَ السّكّرِ نَظّفَ الْحَصَى مِنْ مَعِدَتِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ حُرْقَةُ الْبَوْلِ.

.فصل وَصَايَا عَامّةٌ:

أَرْبَعَةٌ تَهْدِمُ الْبَدَنَ الْهَمّ وَالْحُزْنُ وَالْجُوعُ وَالسّهَرُ. وَأَرْبَعَةٌ تُفْرِحُ النّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَالْمَحْبُوبِ وَالثّمَارِ. وَأَرْبَعَةٌ تُظْلِمُ الْبَصَرَ الْمَشْيُ حَافِيًا وَالتّصَبّحُ وَالتّمَسّي بِوَجْهِ الْبَغِيضِ وَالثّقِيلِ وَالْعَدُوّ وَكَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَكَثْرَةُ النّظَرِ فِي الْخَطّ الدّقِيقِ. وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْجِسْمَ لُبْسُ الثّوْبِ النّاعِمِ وَدُخُولُ الْحَمّامِ الْمُعْتَدِلُ وَأَكْلُ الطّعَامِ الْحُلْوِ وَالدّسِمِ وَشَمّ الرّوَائِحِ الطّيّبَةِ. وَأَرْبَعَةٌ تُيَبّسُ الْوَجْهَ وَتُذْهِبُ مَاءَهُ وَبَهْجَتَهُ وَطَلَاوَتَهُ الْكَذِبُ وَالْوَقَاحَةُ وَكَثْرَةُ السّؤَالِ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَكَثْرَةُ الْفُجُورِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ الْمُرُوءَةُ وَالْوَفَاءُ وَالْكَرَمُ وَالتّقْوَى. وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الْبَغْضَاءَ وَالْمَقْتَ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ وَالْكَذِبُ وَالنّمِيمَةُ. وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الرّزْقَ قِيَامُ اللّيْلِ وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَتَعَاهُدُ الصّدَقَةِ وَالذّكْرُ أَوّلَ النّهَارِ وَآخِرَهُ. وَأَرْبَعَةٌ تَمْنَعُ الرّزْقَ نَوْمُ الصّبْحَةِ وَقِلّةُ الصّلَاةِ وَالْكَسَلُ وَالْخِيَانَةُ. وَأَرْبَعَةٌ تَضُرّ بِالْفَهْمِ وَالذّهْنِ إدْمَانُ أَكْلِ الْحَامِضِ وَالْفَوَاكِهِ وَالنّوْمُ عَلَى الْقَفَا وَالْهَمّ وَالْغَمّ. وَمِمّا يَضُرّ بِالْعَقْلِ إدْمَانُ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْبَاقِلّا وَالزّيْتُونِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَالْوَحْدَةُ وَالْأَفْكَارُ وَالسّكّرُ وَكَثْرَةُ الضّحِكِ وَالْغَمّ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النّظَرِ قُطِعَتْ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ عِلّةً إلّا أَنّي أَكْثَرْتُ مِنْ أَكْلِ الْبَاذِنْجَانِ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْأَيّامِ وَمِنْ الزّيْتُونِ فِي الْآخَرِ وَمِنْ الْبَاقِلّا فِي الثّالِثِ.

.فصل فَضْلُ الطّبّ النّبَوِيّ:

قَدْ أَتَيْنَا عَلَى جُمْلَةٍ نَافِعَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطّبّ الْعِلْمِيّ وَالْعَمَلِيّ لَعَلّ النّاظِرَ لَا يَظْفَرُ بِكَثِيرٍ مِنْهَا إلّا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَيْنَاكَ قُرْبَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّرِيعَةِ وَأَنّ الطّبّ النّبَوِيّ نِسْبَةُ طِبّ الطّبَائِعِيّينَ إلَيْهِ أَقَلّ مِنْ نِسْبَةِ طِبّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ. وَالْأَمْرُ فَوْقَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَعْظَمُ مِمّا وَصَفْنَاهُ بِكَثِيرٍ وَلَكِنْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ بِالْيَسِيرِ عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يَرْزُقْهُ اللّهُ بَصِيرَةً عَلَى التّفْصِيلِ فَلْيَعْلَمْ مَا بَيْنَ الْقُوّةِ الْمُؤَيّدَةِ بِالْوَحْيِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَالْعُلُومِ الّتِي رَزَقَهَا اللّهُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ الّتِي مَنَحَهُمْ اللّهُ إيّاهَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَلَعَلّ قَائِلًا يَقُولُ مَا لِهَدْيِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا لِهَذَا الْبَابِ وَذِكْرِ قُوَى الْأَدْوِيَةِ وَقَوَانِينِ الْعِلَاجِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الصّحّةِ؟. وَهَذَا مِنْ تَقْصِيرِ هَذَا الْقَائِلِ فِي فَهْمِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ هَذَا وَأَضْعَافَهُ وَأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنْ فَهْمِ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَيْهِ وَدِلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَحُسْنُ الْفَهْمِ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ مَنّ يَمُنّ اللّهُ بِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. الطّبّ الثّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ وَكَيْفَ تُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ الْمَبْعُوثِ بِصَلَاحِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى صَلَاحِ الْأَبْدَانِ كَاشْتِمَالِهَا عَلَى صَلَاحِ الْقُلُوبِ وَأَنّهَا مُرْشِدَةٌ إلَى حِفْظِ صِحّتِهَا وَدَفْعِ آفَاتِهَا بِطُرُقٍ كُلّيّةٍ قَدْ وُكِلَ تَفْصِيلُهَا إلَى الْعَقْلِ الصّحِيحِ وَالْفِطْرَةِ السّلِيمَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالتّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ كَمَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ فُرُوعِ الْفِقْهِ وَلَا تَكُنْ مِمّنْ إذَا جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ. وَلَوْ رُزِقَ الْعَبْدُ تَضَلّعًا مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَفَهْمًا تَامّا فِي النّصُوصِ وَلَوَازِمِهَا لَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ كُلّ كَلَامٍ سِوَاهُ وَلَاسْتَنْبَطَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الصّحِيحَةِ مِنْهُ. فَمَدَارُ الْعُلُومِ كُلّهَا عَلَى مَعْرِفَةِ اللّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ وَذَلِكَ مُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ فَهُمْ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاَللّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ. وَطِبّ أَتْبَاعِهِمْ أَصَحّ وَأَنْفَعُ مِنْ طِبّ غَيْرِهِمْ. وَطِبّ أَتْبَاعِ خَاتَمِهِمْ وَسَيّدِهِمْ وَإِمَامِهِمْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَكْمَلُ الطّبّ وَأَصَحّهُ وَأَنْفَعُهُ وَلَا يَعْرِفُ هَذَا إلّا مَنْ عَرَفَ طِبّ النّاسِ سِوَاهُمْ وَطِبّهُمْ ثُمّ وَازَنَ بَيْنَهُمَا فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُ التّفَاوُتُ وَهُمْ أَصَحّ الْأُمَمِ عُقُولًا وَفِطَرًا وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا وَأَقْرَبُهُمْ فِي كُلّ شَيْءٍ إلَى الْحَقّ لِأَنّهُمْ خِيرَةُ اللّهِ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا أَنّ رَسُولَهُمْ خِيرَتُهُ مِنْ الرّسُلِ. وَالْعِلْمُ الّذِي وَهَبَهُمْ إيّاهُ وَالْحِلْمُ وَالْحِكْمَةُ أَمْرٌ لَا يُدَانِيهِمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللّهِ» فَظَهَرَ أَثَرُ كَرَامَتِهَا عَلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ فِي عُلُومِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ وَفِطَرِهِمْ وَهُمْ الّذِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ عُلُومُ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَعُقُولُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَدَرَجَاتُهُمْ فَازْدَادُوا بِذَلِكَ عِلْمًا وَحِلْمًا وَعُقُولًا إلَى مَا أَفَاضَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ.